فصل: مسألة الرؤية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فصل في مبحث الرؤية:

الكاتب: الأستاذ محمد أحمد الوزير.
الحمد لله رب العالمين حمدًا يليق بجلاله وكماله، لا شيء يعجزه، يفعل ما يشاء، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، أول بلا ابتداء آخر بلا انتهاء له الأسماء الحسنى والصفات العلى، وأشهد أن لا اله إلا الله الأحد الصمد، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، أرسله رحمة للعالمين بشيرا ونذيرا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا.
أما بعد:

.مسألة الرؤية:

فإن الله سبحانه وتعالى يقول: {وجوه يومئذٍ ناضرة إلى ربها ناظرة} وقال صلى الله عليه وأله وسلم: «إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته وفي رواية لا تضارون في رؤيته»، وقد دلت النصوص القرآنية، والأحاديث النبوية الشريفة على إثبات الرؤية للمؤمنين يوم القيامة لربهم، جل وعلا، زيادة في إكرامهم، وإيضاحا لعلو قدرهم، وتمام نعيمهم.

.دوافع البحث:

وقد سألني بعض الأخوة، عن الأدلة في مسألة الرؤية؛ لأنه كثر فيها المقال، ودار عليها السؤال، لما تبنى نشرها بين العوام بعض الطوائف الإسلامية، فأجبته إلى ذلك لأنه قد عم بها البلوى، وعظم منها الشكوى، وزاد البلبال، حتى أنهم زعموا أن لا أدلة فيها، ولا حجج تدل عليها، فعزمت حينها على كتابة بحث وجيز، أذكر فيه الأدلة الواردة في الكتاب والسنة.

.الكتابات في هذا الموضوع:

ولست أول من كتب في هذا المسألة، فقد أثرى بحثها أئمة العلم، فلم يتركوا فيها شاذة ولا فاذة إلا وتكلموا عنها، وعلى سبيل المثال:
1ـ الرؤية للإمام الدارقطني.
2ـ شرح أصول اعتقاد أهل السنة للإمام اللالكائي.
3ـ حادي الأرواح للإمام ابن القيم.
4ـ العواصم والقواصم للإمام الكبير محمد بن إبراهيم الوزير وغير ذلك.
الجديد في البحث:
والشيء الذي أضفته في البحث هذا هو التالي:
1ـ اجتنبت الكلام المنطقي والنقاش الفلسفي.
2ـ اعتمدت نصوص الكتاب والسنة.
3ـ اعتمدت فهم السلف الصالح من الصحابة والتابعين والأئمة المتبوعين للنصوص.
4ـ لم أتكلم عن دلالات النصوص، وأورد المناقشة لكي يسهل فهم البحث لدى العامة.
5ـ لم أتكلم فيه بسعة لكي يكون صغيرا حتى يسهل اقتناؤه وقراءته ونشره إلا لما لابد منه.

.المبحث الأول: الأدلة من القرآن والسنة على إثبات الرؤية وأقوال السلف:

إن مسألة الرؤية من المسائل العقدية المهمة، وتواردت على إثباتها نصوص كثيرة لا تعد ولا تحصى وإن شاء الله تعالى سأذكرها لك أخي القارئ، مع كلام العلماء، فتظهر للجاهل الحجة وتقام على المتعلم المحجة وسأقسم البحث إلى ثلاثة مطالب:

.المطلب الأول: أدلة الكتاب الظاهرة في الرؤية:

لقد تكلم الله سبحانه عن مسألة الرؤية في كتابه بالتفصيل، وأورد فيه من الحجج والإيضاح مالا يلتبس على عاقل ولا يغيب فهمه عن جاهل، إلا لمن لم يكن له قلب أو كان عن التنزيل غافل، أو أصيب بداء التعصب أو عمى التقليد الجامد وإليك أخي العزيز أدلة الكتاب الكريم في ذلك فأقول:
الدليل الأول: قال تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ووجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة} (سورة القيامة الآية: 22).
معنى قوله: {إلى ربها ناظرة} أنها رائية ترى الله عز وجل ولا يجوز أن يكون معناه إلى ثواب ربها ناظرة لأن ثواب الله غير الله وإنما قال الله عز وجل: {إلى ربها} ولم يقل إلى غير ربها ناظرة والقرآن على ظاهره وليس لنا أن نزيله عن ظاهره إلا بحجة. ألا ترى أنه لما قال: {فاذكروني أذكركم واشكروا لي} لم يجز أن يقال أراد ملائكتي ورسلي ثم نقول إن جاز لكم أن تدعوا هذا في قوله: {إلى ربها ناظرة} جاز لغيركم أن يدعيه في قوله: {لا تدركه الأبصار} فيقول أراد بها لا تدرك غيره ولم يرد أنها لا تدركه الأبصار وإذا لم يجز ذلك لم يجز هذا ولا حجة لهم في قوله لا تدركه الأبصار فإنما أراد به لا تدركه أبصار المؤمنين في الدنيا دون الآخرة ولا تدركه أبصار الكافرين مطلقا كما قال كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون فلما عاقب الكفار بحجبهم عن رؤيته دل على أنه يثيب المؤمنين برفع الحجاب لهم عن أعينهم حتى يروه ولما قال في وجوه المؤمنين وجوه يومئذ فقيدها بيوم القيامة ووصفها فقال ناضرة ثم أثبت لها الرؤية فقال إلى ربها ناظرة علمنا أن الآية الأخرى في نفيها عنهم في الدنيا دون الآخرة وفي نفيها عن الوجوه الباسرة دون الوجوه الناضرة جمعا بين الآيتين حملا للمطلق من الكلام على المقيد منه وقال القرطبي في تفسيره: {ناظرة} من النظر أي تنظر إلى ربها؛ على هذا جمهور العلماء.
وفي الباب حديث صهيب خرجه مسلم وقد مضى في سورة يونس عند قوله تعالى: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} (يونس: 26). وكان ابن عمر يقول: أكرم أهل الجنة على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية؛ ثم تلا هذه الآية: {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} وروى يزيد النحوي عن عكرمة قال: تنظر إلى ربها نظرا. وكان الحسن يقول: نضرت وجوههم ونظروا إلى ربهم.
وفي صحيح مسلم عن أبي بكر بن عبدالله بن قيس عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم جل وعز إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن». وروى جرير بن عبدالله قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوسا، فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال: «إنكم سترون ربكم عيانا كما ترون هذا القمر» متفق عليه.
وخرجه أيضا أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح. وخرج أبو داود عن أبي رزين العقيلي قال: قلت يا رسول الله أكلنا يرى ربه؟ قال ابن معاذ: مخليا به يوم القيامة؟ قال: «نعم يا أبا رزين» قال: وما آية ذلك في خلقه؟ قال: «يا أبا رزين أليس كلكم يرى القمر» قال ابن معاذ: ليلة البدر مخليا به. قلنا: بلى. قال: «فالله أعظم» قال ابن معاذ قال: «فإنما هو خلق من خلق الله- يعني القمر- فالله أجل وأعظم».
وفي كتاب النسائي عن صهيب قال: «فيكشف الحجاب فينظرون إليه، فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم من النظر، ولا أقر لأعينهم».
وفي التفسير لأبي إسحاق الثعلبي عن الزبير عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يتجلى ربنا عز وجل حتى ينظروا إلى وجهه، فيخرون له سجدا، فيقول ارفعوا رؤوسكم فليس هذا بيوم عبادة».
الدليل الثاني: قال تعالى: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون} (الآية: 26سورة يونس).
قال القرطبي في تفسيره:
قوله تعالى: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} روي من حديث أنس قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: {وزيادة} قال: «للذين أحسنوا العمل في الدنيا لهم الحسنى وهي الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله الكريم» وهو قول أبي بكر الصديق وعلي بن أبي طالب في رواية. وحذيفة وعبادة بن الصامت وكعب بن عجرة وأبي موسى وصهيب وابن عباس في رواية، وهو قول جماعة من التابعين،.
وروى مسلم في صحيحه عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دخل أهل الجنة الجنة قال الله تبارك وتعالى تريدون شيئا أزيدكم فيقولون ألم تبيض وجوهنا ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار قال فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل» وفي رواية ثم تلا {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة}.
وخرجه النسائي أيضا عن صهيب قال قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: هذه الآية: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} قال: «إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار نادى مناد يا أهل الجنة إن لكم موعدا عند الله يريد أن ينجزكموه قالوا ألم يبيض وجوهنا ويثقل موازيننا ويجرنا من النار قال فيكشف الحجاب فينظرون إليه فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم من النظر ولا أقر لأعينهم».
وخرج الترمذي الحكيم أبو عبدالله رحمه الله: عن أبي بن كعب قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الزيادتين في كتاب الله؛ في قول: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} قال: «النظر إلى وجه الرحمن».
وقال عبدالرحمن بن سابط: الحسنى البشرى، والزيادة النظر إلى وجه الله الكريم؛ قال الله تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} (القيامة: 22- 23).
وفي الدر المنثور:
أخرج الطيالسي وهناد وأحمد ومسلم والترمذي وابن ماجة وابن خزيمة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والدارقطني في الرؤية وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن صهيب رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار نادى مناد: يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه. فيقولون: وما هو، ألم تثقل موازيننا، وتبيض وجوهنا، وتدخلنا الجنة، وتزحزحنا عن النار؟ وقال: فيكشف لهم الحجاب فينظرون إليه، فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم من النظر إليه ولا أقر لأعينهم».
وأخرج الدارقطني وابن مردويه عن صهيب رضي الله عنه في الآية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الزيادة: النظر إلى وجه الله».
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والدارقطني في الرؤية وابن مردويه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يبعث يوم القيامة مناديا ينادي: يا أهل الجنة- بصوت يسمعه أولهم وآخرهم- إن الله وعدكم الحسنى وزيادة، فالحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه الرحمن».
وأخرج ابن جرير وابن مردويه واللالكائي في السنة والبيهقي في كتاب الرؤية عن كعب بن عجرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} قال: الزيادة: النظر إلى وجه الرحمن.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والدارقطني وابن مردويه واللالكائي والبيهقي في كتاب الرؤية عن أبي بن كعب رضي الله عنه «أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله تعالى: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} قال: الذين أحسنوا أهل التوحيد، والحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله».
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} قال: «أحسنوا شهادة أن لا إله إلا الله، والحسنى الجنة، والزيادة النظر إلى الله».
وأخرج أبو الشيخ وابن منده في الرد على الجهمية والدارقطني في الرؤية وابن مردويه واللالكائي والخطيب وابن النجار عن أنس رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن هذه الآية: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} فقال: للذين أحسنوا العمل في الدنيا لهم الحسنى وهي الجنة، والزيادة النظر إلى وجه الله الكريم».